Menu

اتفاق الهدنة في قطاع غزة: نتنياهو يخضع لشروط  السنوار في تفاصيل صفقة تبادل الأسرى 

عليان عليان

لا نبالغ من واقع قراءتنا لتفاصيل  اتفاق الهدنة  الإنسانية لمدة أربعة أيام،  القابل للتطوير لمدة ستة أيام أخرى ، أن رئيس حركة حماس في قطاع غزة  القائد يحي السنوار  فرض شروطه على المفاوض الصهيوني بمرجعياته السياسية والعسكرية جراء مجموعة من العوامل التي سنأتي على ذكرها.

ولا يغير من واقع هذه القراءة  عنتريات نتنياهو  التي عبر عنها بقوله : "أن الجيش سيستمر في عمليته العسكرية حتى تحقيق الهدف المزدوج منها ،ممثلاً بالقضاء على حركة حماس وإنقاذ الأسرى المحتجزين"  وهو بهذا التصريح يعبر عن مأزقه والنهاية المتوقعة له بخروجه من الحياة السياسية، وتقديمه للمحاكمة جراء ملفات الفساد التي تطوق عنقه ، لأنه يدرك أنه في حال تحول الهدن المؤقتة إلى وقف إطلاق نار دائم ، تنسحب بموجبه قوات الاحتلال من قطاع غزة فإنه سيواجه نهايته المحتومة .

وحكومة الكيان مضطرة للقبول بهدن متعددة ، تصل في نهايتها إلى تبييض المعتقلات الصهيونية ، وتحرير كافة الأسرى الفلسطينيين ، وفي المقدمة منهم ذوي الأحكام المؤبدة أمثال عبدالله البرغوثي  و أحمد سعدات ومروان البرغوثي ، وسيضطر نتنياهو للحس تصريحه بشأن عدم الإفراج عن  الذين نفذوا عمليات فدائية، أدت إلى مصرع جنود إسرائيليين أو مستوطنين ، الذين وصفهم " أياديهم ملوثة بالدماء" .

المتفحص لبنود صفقة تبادل الأسرى وفق الهدنة الإنسانية لمدة أربعة أيام التي تمت  بجهود قطر ية ومصرية ونقاطها  ،  يكتشف ( أولاً)  بأن هذه الصفقة في معظم بنودها وتفاصيلها  سبق وأن طرحتها قيادة القسام  في اليوم التالي لانتصار السابع من أكتوبر  و(ثانياً) يخرج  بنتيجة محددة ، أن هذه الصفقة  تميل لمصلحة المقاومة الفلسطينية ، من زاوية تثبيت آليات العدو وقواته في مواقعه التي وصل إليها  دون أدنى حركة،  في الوقت الذي لا يمكن فيه تثبيت موقف رجال المقاومة في نقطة محددة   /  ووقف تحليق طيران العدو في المنطقة الجنوبية  ووقف تحليق طيران العدو في الشمال لمدة ست ساعات دون أن يسمح لها بعمليات القصف / حرية الحركة ووقف الاعتقالات / حرية المواطنين التحرك بين الشمال والجنوب عبر شارع صلاح الدين /  تزويد القطاع بكل ما يلزمه من مواد غذائية ووقود عبر إدخال (200) شاحنة يومياً من المواد الغذائية والدواء يومياً ، أي  (800) شاحنة على مدى أربعة أيام  ، وأربعة صهاريج وقود يومياً أي بواقع 16 صهريج  على مدى أربعة أيام .

 والأهم  من ذلك أن صفقة تبادل الأسرى  كانت هي الأخرى  لمصلحة المقاومة بواقع (3) لمصلحة المقاومة مقابل (1) لمصلحة الكيان ، بحيث يتم الإفراج عن (150) من الأطفال والنساء مقابل الإفراج عن 50 من النساء والأطفال الصهاينة،  على مدى أربعة أيام بحيث يطلق سراح (12) صهيونياً يوميا كل يوم ، على أن يشمل اليوم الرابع (14) صهيونياً من النساء والأطفال.

العوامل التي أجبرت حكومة العدو القبول بالهدنة

والسؤال هنا ما هي العوامل  التي أجبرت حكومة  العدو لأن تقبل بالهدنة الإنسانية  بشروطها  السالفة الذكر ، وأن تقبل بالنزول من أعلى الشجرة التي تسلقتها ، بعد أن حددت الهدف من العملية البرية هو القضاء على حركة حماس وتحرير الأسر عبر عملياتها العسكرية؟

والجواب على هذا السؤال يكمن فيما يلي:

1-الخسائر العسكرية الكبيرة في صفوف قوات الاحتلال التي قدرت من قبل خبراء عسكريين بحوالي 5000 ما بين قتيل وجريح ، وحاجة قيادة العدو للتعرف على حقائق المشهد العسكري على مدى 23 يوماً من العملية البرية ، وللتعرف على ثغرات وإخفاقات قوات الاحتلال لتجنبها لاحقاً في حال الاستمرار في القتال.

2- فشل قيادة العدو في تحقيق  الهدف الآخر من العملية البرية ممثلةً بتحرير الأسرى والرهائن الإسرائيليين بالقوة العسكرية.

3- ضغط أهالي الأسرى وتسييرهم مظاهرات  على مدى 48 يوما ، تطالب بالاستجابة  لشروط قيادة القسام  الخاص بتبييض السجون وتحرير كافة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين مقابل الإفراج عن الرهائن  والأٍسرى الإسرائيليين ، وأبرز هذه المظاهرات مسيرة قدرت ب 25 ألف توجهت سيراً على الأقدام  ، من تل أبيب إلى القدس مطالبة نتنياهو بالموافقة على صفقة القسام. 

4- الأزمة الاقتصادية الهائلة الناجمة عن الحرب وتعطل قطاعات الإنتاج جراء استدعاء قوات الاحتياط (؛ 360) ألف، للمشاركة في العدوان على  قطاع غزة ، ناهيك عن تراجع قيمة الشيكل وانخفاض مؤشر الأسهم القياسي بنحو 10٪ هذا العام ، حيث بلغت خسائر البورصة الإسرائيلية بعد مرور أربعة أسابيع على الحرب ب 30 مليار دولار  ، كما أن الخسائر الأسبوعية جراء نقص الأيدي العاملة بلغت 600 مليون دولار اسبوعياً ، ناهيك أن تكلفة الحرب بلغت عدة مليارات،  حيث قدر وزير المالية الإسرائيلي التكلفة المباشرة للحرب على قطاع غزة ب (246) مليون دولار يومياً.

5- - أزمة نزوح حوالي (300) ألف من المستوطنين من مستوطنات قطاع غزة ومن مستوطنات الشمال المحاذية للجنوب اللبناني ، الذين أعلنوا على لسان رؤساء تجمعاتهم الاستيطانية ، بأنهم لن يعودوا للمستوطنات طالما بقيت ” حماس في قطاع غزة ، وطالما أن قوات حزب الله على مسافة قريبة منهم

6- فشل العدو الصهيوني في تمرير روايته الكاذبة للحرب بشأن قطع  مقاتلي القسام رؤوس أطفال إسرائيليين  واغتصاب نساء إسرائيليات ، التي عمل على تسويقها وتبناها الرئيس الأمريكي جو بايدن ،  وتحول الرأي العام العالمي لصالح المقاومة حيث بلغ عدد المظاهرات المؤيدة ل فلسطين في كل دول العالم  ( 3482) مظاهرة ، مقابل ( 359) مظاهرة فقط مؤيدة ل ( إسرائيل).

فقد تمكن مناصرو المقاومة وقوى الحرية في العالم  من تظهير الصورة الحقيقية للمقاومة في قطاع غزة ، وحقيقة حرب الإبادة التي شنها ويشنها العدو ضد أبناء الشعب الفلسطينيين في قطاع غزة، التي أسفرت عن  استشهاد 15 ألف مواطن فلسطيني وتدمير نصف مباني غزة على رؤوس ساكنيها ، وعن قصف المستشفيات  وإخراجها من الخدمة ، وقطع الماء والكهرباء والدواء والغذاء عن أبناء القطاع ، بحيث بات الرأي العام العالمي يصطف إلى جانب غزة وجانب المقاومة ،في مواجهة حرب الإبادة والتطهير العرقي التي تمارسها قوات الاحتلال .

5- اضطرار العديد من الدول الغربية ، إلى التراجع عن دعمها للعملية البرية الإسرائيلية المسنودة بالطيران الذي يقصف المباني والمؤسسات على مدار الساعة ، وذلك تحت ضغط الشارع والمظاهرات المليونية في لندن وباريس وواشنطن وشيكاغو  وغيرها من العواصم في مختلف دول العالم .

  وهذه المسيرات المليونية اضطرت الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس وزراء كندا إلى  التنديد بالمحرقة التي يرتكبها العدو الصهيوني في قطاع غزة ، واضطرت بريطانيا إلى إقالة وزيرة الداخلية ووزير الخارجية ،في حين  باتت الولايات المتحدة – الشريك الرئيسي في العدوان -محرجةً أمام المحرقة التي يرتكبها العدو في قطاع غزة ، خاصة وأن رؤساء 400 وكالة حكومية قدموا استقالاتهم احتجاجاً على موقف بايدن الداعم للحرب ، ناهيك عن استقالات عدد كبير من موظفي الخارجية احتجاجاً على الدعم الأمريكي للمجازر التي  ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة ، حيث راح الرئيس الأمريكي يحث بشكل شكلي حكومة العدو على التوقف عن قتل المدنيين ، وتراجع عن موقفه بشأن  تهجير أبناء القطاع جراء إفشال أبناء القطاع مخطط التهجير ،  ورفض كل من مصر والأردن الاستجابة لطلبه بهذا الخصوص.

العدو يتخبط ويداري هزيمته

وأمام هذه التطورات ، والبدء في تطبيق صفقة تبادل الأسرى  في هذه المرحلة اليوم الجمعة بتاريخ 24 -11-2023 ، راح نتنياهو ووزير حربه "يو آف غولانت" يدليان بتصريحات تكشف عن حالة الارتباك والعجز  في مواجهة صلابة المقاومة وفرضها لشروطها .

غالانت يكذب على نفسه وعلى جمهور المستوطنين ، عندما يصرح بأنه سيباشر العمليات العسكرية بعد  انتهاء هدنة الأربعة أيام ،  فهو يدرك بأنه ونتنياهو مضطران لتمديد الهدنة مرات ومرات استجابة لمطالب أهالي الأسرى، الذين لم يفرج  عن أبنائهم وذويهم في الصفقة الأولى.

ونتنياهو  الذي برر قبوله بالصفقة بالحرص على القيم الإنسانية- وهو بريء منها- مستشهداً بمقولة الفيلسوف اليهودي  موسىى بن ميمون في  الأندلس  في القرن الثاني عشر الميلادي بهذا الشأن ، تجاهل حقيقة أنه رضخ لمطالب أهالي الأسرى ولشروط كتائب القسام  ، وهو في ذات الوقت يكذب على نفسه وعلى جمهور المستوطنين، عندما يعلن أنه سيواصل الحرب حتى القضاء على حركة حماس وتحرير الأسرى الإسرائيليين بقوة السلاح.

حكومة نتنياهو  وفق الحراك الداخلي الصهيوني ، وعدم ثقة جمهور المستوطنين بالقيادتين العسكرية والسياسية ، وفي ضوء فشل العدوان الصهيوني على القطاع في تحقيق الأهداف المعلنة ، قد تسقط قبل انتهاء الحرب ، وستسقط بالتأكيد عندما تضطر للإفراج عن كافة المعتقلين الفلسطينيين مقابل الإفراج عن كبار الضباط الإسرائيليين ، الذي أسرتهم كتائب القسام في معركة  السابع من أكتوبر التاريخية. 

خلاصة : يمكن الإشارة ‘إلى ما يلي :

1-أن المرحلة الأخيرة من صفقات التبادل للأسرى  ، المستندة إلى وقف إطلاق النار  ستشكل   تتويجاً لانتصار المقاومة في معركة طوفان الأقصى ، وفشل العدوان الصهيوني في تحقيق أهدافه.

2-إفشال الطروحات الأمريكية والصهيونية، التي تتحدث عن من يحكم قطاع غزة بعد انتهاء الحرب ، في وهم مزعوم بشأن  القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة ، ليصبح السؤال كيف يكون وضع الكيان الصهيوني، بعد فشل العدوان على قطاع غزة في ترميم صورته وصورة جيشه بعد أن عاش هذا الكيان حالة انهيار  في معركة السابع من أكتوبر ،  إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار تصريحات العديد من المحللين الصهاينة، بأن تلك المعركة في نتائجها المأساوية لم تنته بعد.

انتهى